
أصدرت المحكمة الإدارية في الجلسة المنعقدة علناً في 26 مايو 2015، برئاسة المستشار أحمد عبدالله الديهان، وعضوية كل من فهد ذعار العتيبي وخالد علي محمد وخلف أحمد أميناً لسر الجلسة، حكمها بإعادة الجنسية للنائب السابق عبدالله البرغش، ومن اكتسب الجنسية بالتبعية له، وذلك بعد قرار مجلس الوزراء رقم 968-2014، في ما تضمنه من قرار سحب جنسيتهم.
تناولت حيثيات الحكم مسألة في غاية الأهمية ومحط الاهتمام والنقاش، وهي مسألة النظر في مسائل الجنسية في القضاء بصفتها عملاً من أعمال السيادة، فيذكر الحكم «وحيث إنه لما كان ذلك، وكانت طلبات المدعين تتعلق في الحكم بإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 968 لسنة 2014 في ما تضمنه من سحب شهادة جنسيتهم، وممن يكون قد كسبها معهم بالتبعية مع ما يترتب على ذلك من آثار، ومن ثم فإن دعواهم تدخل في نطاق الحقوق المستمدة من كونهم يحملون الجنسية الكويتية بالفعل، ومنها حقهم في استخراج شهادة جنسية لهم، والتي تعد وثيقة لإثبات جنسيتهم، وليس لمنحهم الجنسية ابتداء، وكل ذلك يعتبر من آثار ثبوت الجنسية ومترتبة عليه، وليس نزاعاً حول استحقاقهم، أو عدم استحقاقهم الجنسية الكويتية, ولما كان ذلك كذلك، فإن طلبات المدعين لا تتعلق بشأن من شؤون الجنسية منحا أو منها، وهو ما تختص به المحكمة الإدارية بالمحكمة الكلية وفقاً للبند الخامس من المادة الأولى من قانون إنشاء الدائرة الإدارية رقم 20-1981 وتعديلاته».
تكرّس هذه الفقرة مبدأ عدم جواز نظر القضاء في مسائل الجنسية في نفس الوقت، الذي تبين أن هذا المنع ليس مطلقاً، وأن قرارات الحكومة المتعلقة بذلك ليست خارج ولاية القضاء بالشكل المطلق، أيضاً، فصحة القرار من عدمه يدخل ضمن اختصاص المحكمة الإدارية طبقاً لقانون إنشائها، مادام أنها لا تفصل في استحقاق صاحب الدعوى (البرغش في هذه الحالة) للجنسية من عدم عدم استحقاقه, وهذا لا يعطي أملاً لمن ينتمي لفئة البدون في الكويت في رفع قضايا قد تتعلق باستحقاقهم للجنسية.
إلا أن أمراً آخر يلفت الانتباه في الحكم في ما يخص استحقاق الجنسية لفئة البدون، وخاصة الشرائح التي تحمل إثباتات الآباء أو الأجداد تصنفهم كأهل بادية الكويت، فيذكر في الحيثيات «وكان الثابت في الأوراق أن المدعين حصلوا على الجنسية الكويتية وفقاً للمادة الأولى من المرسوم رقم 15 لسنة 1959 بقانون الجنسية الكويتية، وهو ما يفيد بأن والدهم المتوفى كان متوطناً في الكويت قبل سنة 1920 ومحافظاً على إقامته العادية فيها إلى يوم نشر القانون الأخير وثبوت نسبهم إليه».
ويذكر في موضع آخر «التحقيق الذي أجرته اللجنة العليا للجنسية الكويتية ثابت به أن اللجنة حققت مع المدعي الأول، بحضور والدته، وقد تبيَّن في التحقيق أن والده من بادية الكويت بها في سنة 1962».
وهذا إنما يدل على أن سكان بادية الكويت مستحقون للجنسية طبقاً للمادة الأولى من قانون الجنسية، رغم ذلك، ظل الكثير من أبناء سكان البادية وأحفادهم ممن حملوا إثباتات تحمل هذا التعريف لا يزالون غير حاملين للجنسية الكويتية، ويُطلق عليهم البدون, مع ذلك لا حق لهم في التقاضي في هذا الشان!
عدم إطلاق يد السلطة التنفيذية في القرارات المتعلقة بالجنسية سُنة حميدة عادلة يسنها القضاء الكويتي، حتى على الرغم من تمسك محامي المدعى عليه (الجانب الحكومي) بعدم جواز نظر القضاء في مسائل الجنسية، وجل ما نطمح له اليوم، هو إعادة مسائل الجنسية كاملة لولاية القضاء، ليفصل بها، ولتتوقف عن كونها عملاً سيادياً تختص به السلطة التنفيذية، بصفتها سلطة حكم، لا سلطة إدارة، فيمنع القضاء من النظر بها, أملنا بفتح الباب للقضاء للنظر في قضايا الجنسية، ليكون الفصل في قضايا البدون لعله السبيل لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية.