
تطالب الحكومة دائماً الأفراد والنواب باحترام القضاء وأحكامه، بينما تقف اليوم موقفاً غريباً في مواجهته.
عدة قضايا ومسائل تجد فيها السلطة التنفيذية.. إما متحدية للقضاء، أو مشككة فيه، أو منتقصة منه, ما يمثل مشكلة كبيرة بين أعمدة الدولة.
إن احترام القضاء ليس أمراً مقصوراً على الأفراد, فالحكومة، كسلطة تنفيذية في الدولة، تقع تحت رقابة القضاء وملزمة باحترامه وتنفيذ أحكامه.
عدم تنفيذ الطلبات والأحكام
ففي قضية سحب جنسية النائب السابق عبدالله البرغش، قامت الحكومة، ممثلة بوزارة الداخلية وإدارة الفتوى والتشريع، بتجاهل طلب المحكمة، التي تنظر أمامها طعن البرغش في قرار سحب جنسيته بتسبيب هذا القرار، وذلك في ثلاث جلسات متتالية، ما يشكل عدم احترام لطلبات المحكمة.
كما تكررت حالات عدم تنفيذ الحكومة لأحكام صادرة من القضاء، ما يضطر إلى كسب القضية ضدها العودة للمحكمة لتأمر بإلزامها بتنفيذ الحكم أو سجن المسؤول عن عدم التنفيذ, وعدم تنفيذ الحكم الصادر في قضية التيار الكهربائي بجمعية المهندسين خير مثال على ذلك.
مثل هذه التصرفات غير مقبولة أبداً في بلد ترفع شعار دولة المؤسسات وفصل السلطات, وكيف لا يعد ضرب قرارات القضاء وأحكامه عرض الحائط نوعاً من إهانة القضاء؟! ألا يجب أن يكون للسلطة القضائية موقف مع الحكومة، لمنع مثل هذه التصرفات والإهانات لأهم أعمدة الدولة؟
قضاة غير كويتيين
في قضية المزايا المالية للقضاة، طلبت الحكومة، ممثلة بإدارة الفتوى والتشريع، تخصيص دائرة من القضاة غير الكويتيين، لنظر الطلبات المقامة من القضاة الكويتيين، ما اعتبرته محكمة التمييز الكويتية أمراً يفتقر للأساس القانوني السليم، وعدته عملاً ينطوي على تشكيك في القضاء وأحكامه.
كما رفضت «التمييز» تدخل الحكومة في تشكيل الدوائر القضائية، ما يتعارض مع استقلالية القضاء، وبينت أن «استقلالية السلطة القضائية، كضمانة مقررة لها، بموجب الدستور والقوانين، تمنع عنها التدخل في القضايا أو شؤون العدالة، وتضمن لها الحيدة والنزاهة في أداء رسالتها, وبث الطمأنينة في نفوس المواطنين، باعتبارها الجهة التي تحمي الشرعية وترعى حقوق المواطنين وتصون حرياتهم، لذا أجمعت كافة الدساتير المعاصرة على اعتبار السلطة القضائية لا تخضع في عملها سوى للقانون ولضمير القاضي، فجميع الأشخاص متساوون أمام القضاء، ولكل متقاضٍ، سواء كان مدعياً أو مدعى عليه، الحق في محاكمة عادلة وعلنية بواسطة محكمة مختصة ومستقلة وحيادية قائمة استناداً إلى القانون».
وبما أن المرسوم بالقانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن قانون تنظيم القضاء قد عهد في المادة 50 إلى رجال القضاء أنفسهم بالفصل في أمورهم المتعلقة بأي شأن من شؤون الوظيفة, فإنه لا تمييز بين القضاة الكويتيين وغير الكويتيين، كما تذكر محكمة التمييز، لما في ذلك من تشكيك بعدالة القضاء، وما ينطوي عليه من مفهوم للقضاء الفئوي.
السيادة
منذ عشرات السنين والحكومة متمتعة بحصانة قراراتها المتعلقة بدور العبادة وامتيازات الصحف والإبعاد والجنسية، والتي تسمى بالأمور السيادية، وتكون خارج ولاية القضاء، فلا يجوز له النظر فيها, ومنذ عام 2006 حين صدر قانون المطبوعات وأزال الصحافة من ضمن الأعمال السيادية وأعادها لولاية القضاء وفكرة السيادة صارت أكثر قبولاً للنقاش والتغيير.
الأعمال السيادية تلك الفكرة التي جيء بها من فرنسا في أزمنة مضت وولى عهدها، لا يزال معمولاً بها في الكويت، بحيث يكون للحكومة السلطة المطلقة في اتخاذ القرار الذي تراه مناسبا في شؤون محددة، فلا تكون هذه القرارات خاضعة لرقابة القضاء.
اليوم، وضمن سلسلة مواجهة الحكومة بالقضاء، تنظر المحاكم في قضايا متعلقة بالجنسية، وهي أهم الأمور السيادية التي لا ترغب الحكومة بالتخلي عنها، ووضعها تحت الرقابة القضائية، وترفض أن تنظر بشكل حازم. ويتجلى ذلك في قضية النائب السابق عبدالله البرغش، حيث تمسكت الحكومة بعدم أحقية القضاء في النظر في مسائل الجنسية، حتى جلسة النطق بالحكم، وهو الأمر الذي على أساسه تجاهلت طلبات المحكمة، بتسبيب قرار سحب الجنسيات، كما ذكرنا.
في الأيام المقبلة، ستنظر أيضا المحاكم في قضية إبعاد الإعلامي الكويتي سعد العجمي، الذي سحبت جنسيته، ثم تم إبعاده إلى المملكة العربية السعودية, وهنا يكون القضاء قد تطرَّق لمسائل الإبعاد أيضاً.
عودة ما تسمى بأعمال السيادة لولاية القضاء، تعد بلا شك أمراً حسناً ومحققاً للعدالة, بحيث يجب أن تكون كافة القرارات الحكومية خاضعة للرقابة القضائية لا مطلقة.
إن المواجهات المتكررة بين الحكومة والقضاء بهذا الشكل الجلي والمنطلي على التشكيك، والتقليل من هيبة القضاء، والإساءة لمصالح الأفراد وللعدالة وتطبيق القانون، لهي نتيجة سيئة ومدمرة، ودليل على سوء الإدارة في الدولة، وعدم احترام مؤسساتها وقوانينها لا يعمل على الارتقاء والتطوير من نظمها, على الحكومة أن تكون أعقل من الانجرار نحو سلسلة مواجهات مع القضاء, ويجب أن يبدأ المشرعون في العمل على استقلاله التام من أي إدارة حكومية أو تدخل، ولو كان للمرفق أو للنظام المالي له, ليحكم نفسه باستقلالية تامة من دون أدنى تدخل من أي سلطة.