الرئيسية » آخر الأخبار » هل تعد حرية التعبير عملاً عدائياً ضد الدول؟

هل تعد حرية التعبير عملاً عدائياً ضد الدول؟

قصر العدل
قصر العدل

كتبت شيخة البهاويد:
حركت في الفترة الماضية العديد من القضايا في مواجهة مجموعة من المغردين على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، بسبب كتابات اعتبرت مسيئة لدول صديقة، واتهموا فيها بالقيام بعمل عدواني، اعتماداً على المادة الرابعة من قانون أمن الدولة الخارجي, وهناك ما يقارب 17 قضية معظمها بسبب شكاوى من سفارة المملكة العربية السعودية قامت وزارة الخارجية الكويتية بتحريك الدعاوى بسببها.

وتنص المادة الرابعة من القانون 31 لسنة 1970، على أن «يعاقب بالحبس المؤقت، الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات، كل مَن قام بغير إذن من الحكومة بجمع الجند أو قام بعمل عدائي آخر ضد دولة أجنبية من شأنه تعريض الكويت لخطر الحرب أو قطع العلاقات السياسية».

وأقرَّت محكمة التمييز، بأن «تقدير ما إذا كانت الأفعال محل الاتهام تدخل في عداد الأعمال العدائية التي يجرمها القانون، هو من شؤون قاضي الموضوع، طالما يقيمه على ما ينتجه».

براءة صقر الحشاش

وعلى هذا، برَّأت محكمة الجنايات المغرد صقر الحشاش من تهمة القيام بعمل عدائي ضد المملكة العربية السعودية، بسبب تغريدات كتبها حول وفاة الملك عبدالله آل سعود في حسابه على «تويتر», وقد فسرت المحكمة، برئاسة أحمد الياسين، رئيس الدائرة في حكمها، بأن التغريدات التي كتبها الحشاش على «تويتر»، لا تعد عملاً عدائياً، ما يدخل في نطاق التجريم الوارد في المادة الرابعة من قانون 31 لسنة 1970.

الحكم على صالح السعيد

وقامت دائرة الجنايات الرابعة، برئاسة محمد راشد الدعيج، بالحكم على صالح عثمان السعيد، بالسجن لمدة أربع سنوات مع النفاذ، بسبب استنادها إلى أنه التمس من كتاب الشكوى المقدم من سفارة المملكة العربية السعودية لوكيل وزارة الخارجية الكويتية، المؤرخ في 2014-10-16، ما من شأنه أن يمس العلاقات الثنائية بين البلدين، بسبب التغريدات، التي كتبها السعيد على «تويتر»، التي اعتبرتها المملكة تطاولاً عليها وعلى قضائها وتحريضاً على إثارة الفوضى فيها وتشويه الصورة الحقيقية لها.

وعلى الرغم من أن السعيد دافع عن نفسه، بأن العلاقات بين الكويت والمملكة لم تتأثر، وأن رأيه كان داخل نطاق حرية التعبير، الذي لم يقصد به أي إساءة للمملكة، فإن المحكمة رجعت إلى حكم محكمة التمييز، بالطعن رقم 713 لسنة 2010 جزائي، الصادر بجلسة 2012-4-1، الذي أثبتت فيه أن «العمل العدائي في حكم نص هذه المادة هو كل فعل يكشف عن المنابزة والانتهاك، وينم بطبيعته عن المعاداة أو الامتهان لمصالح الدول الأجنبية، التي يكون لها خطرها في الظروف المختلفة التي تقع فيها، سواء من حيث الزمان والمكان، أم من حيث مدى حساسية ونوع العلاقات بين الكويت والدولة التي يرتكب الفعل ضدها، ومن ثم حق اعتبار كل فعل توافرت له العناصر المتقدمة عملاً عدائياً، ومن أمثلته القيام بالتدرب على حمل السلاح أو على استعمال الذخيرة أو تلقن الفنون الحربية داخل أراضي الدولة الأجنبية، ويتعيَّن في هذا العمل، أن يكون فعلاً مادياً وخارجياً ملموساً محسوساً، لأن الأعمال غير المادية، التي يبطنها الشخص ولا يلمسها الغير لا ينالها التجريم ولا العقاب، وكان تقدير ما إذا كانت الأفعال محل الاتهام تدخل في عداد الأعمال العدائية التي يجرمها القانون هو من شؤون قاضي الموضوع، مادام يقيمه على ما ينتجه».

كما ذهبت المحكمة، في حكمها بحبس السعيد، إلى أنها غير ملزمة بتفسير الشك في النص لصالح المتهم، وذلك تأييداً للفقيه القانوني عوض محمد عوض، على أن «هذه القاعدة لم تنشأ لتفسير نص، بل لتقدير الدليل، وأريد بها تقدير قاعدة عادلة، وهي عند الشك في تقدير حقيقة الدليل أو قيمته يجب القضاء ببراءة المتهم، ذلك إن كان الدليل يحمل تفسيرين، أحدهما يضر المتهم والآخر يفيده.. أما من الناحية المنطقية، فإن القول المنتقد يتعارض مع طبيعة التفسير، وذلك أن التفسير لا يعدو أن يكون استظهاراً لمضمون النص واستجلاء حقيقته، فهو يهدف إلى تقصي معناه، بغض النظر عما يترتب على ذلك من نتائج تضر المتهم أو تفيده، ولو قلنا بغير ذلك، لنسبنا للمشرع قصوداً تتعدد وتختلف تبعا لتعدد المتهمين واختلاف مصالحهم، وهذا يفقد القانون ما يتميز به من عموم وتجريد».

وعلى هذا، فسرت المحكمة في حكمها الأعمال العدائية على أنها «كل سلوك مادي بحت يهدف إلى معاداة دولة أجنبية، وليس من اللازم أن يتسم الفعل العدواني بطابع العنف المادي أو بوسائل القسر.. أنه يصعب تحديد الأفعال الماسة بأمن البلاد الخارجي سلفاً، إذ إنها تتطور بتطور الأزمنة».

وشددت في قولها إنه «قد أثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن هناك كثيراً من الأعمال العدائية، التي توجه ضد بعض الدول، لا تتجلى بطابع العنف، بل تتخذ وسائل مادية أخرى تحت غطاء آخر، كحرية التعبير، وهي قد تكون أكثر عداء وأشد خطراً وضرراً وإيلاماً على الدولة وأمنها واستقرارها من بعض أعمال العنف التقليدية.. إن الأمن لم يعد قاصراً على البُعد العسكري التقليدي، لكنه اتسع ليضم عدة أبعاد أخرى، مثل التي تتعامل مع تهديدات مختلفة عن الحرب بمفهومها المتعارف عليه، لكنها لا تقل أهمية عن العدوان العسكري أو الفردي المباشر، بل ربما تفوقه أهمية، باعتبارها تهديدات غير مباشرة يمكنها أن تؤدي إلى الخلل في بنية المجتمع والدولة معاً».

براءة حاكم المطيري

وعلى العكس تماماً، فقد برَّأت محكمة الجنايات، برئاسة محمد راشد الدعيج، د.حاكم المطيري، الذي اتهم بالقيام بأعمال عدائية، من شأنها التأثير على العلاقات الثنائية بين الكويت والمملكة العربية السعودية، إثر مكالمة له تحدث فيها عن تصفية النظام السعودي للمعارضين, فلم تجد المحكمة في ذلك ما يمثل عملاً عدائياً، حيث ذكرت في حكمها، أنه «إذا لم يكن العمل العدائي مادياً بحتاً، واتخذ صورة سلوك عارض ذي مضمون نفسي، كالإهانة القولية الموجهة إلى رئيس الدولة الأجنبية، أو وزير من وزرائها، وكالحملة الصحافية المنصبة عليها، فإنه لا يتوافر به السلوك المقصود بالتجريم».

كما أكدت في حكمها «لا يعدو ما قام به المتهم سوى أن يكون محض سلوك عارض ذي مضمون نفسي أتى بمناسبة حديثه عن وفاة أمين عام ما يدعى حزب الأمة السعودي، وهو لا يتوافر به المقصود بالتجريم في هذا المقام، ولا سيما أن الأوراق خلت مما يدلل على تكرار تلك الأفعال ضد الدولة الأجنبية المعنية، كما ورد في كتاب سفارتها في البلاد».

ومن هذا كله، نرى أن تفسير العمل العدائي يختلف وفق ظروف كل قضية، من دون أن يكون له تفسير ثابت يعرف من خلاله، ما إذا كان ما يقدمه الفرد من رأي داخلاً ضمن نطاق العمل العدائي أو لا.

جدير بالذكر، أن هناك قضايا لا تزال تنظر أمام القضاء تستند إلى المادة الرابعة من قانون أمن الدولة الخارجي، وتنتظر تفسيراً خاصاً بكل منها، ما إذا كان الرأي الذي قيل يُعد عملاً عدائياً أم لا!

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.