خبر صغير، لا تتعدَّى مساحته بضعة أسطر، يحكي عن هجرة 500 عراقي إلى إسرائيل.. ويفصّل الخبر مجريات المقابلات التي أجراها التلفزيون الإسرائيلي مع بعضهم، مع الإشارة إلى أن ديانتهم إسلامية، وهذا يعني أنهم ليسوا مسيحيين أو يزيديين.
هؤلاء العراقيون هجروا بلدهم (العراق)، الذي يتمتع بصيت تاريخي عن ثرواته الطبيعية، من زراعة وصناعة ونفط ومشتقاته، وفروا هربا من الأوضاع البائسة التي يمرُّ بها هذا البلد العربي الشقيق.. هجروا خوفا من حروب واقتتال داخلي، وفقدان شبه مطلق للأمان؛ من تفجير سيارات، أو دخول «مغسول دماغ» مزنر بحزام ناسف إلى تجمُّع ما، سواء كان مجلس عزاء أو فرحا اجتماعيا، ولم يجدوا إلا إسرائيل ملاذا آمنا لهم، ولها – أي إسرائيل – توافرت دعاية مجانية، لتصوير نفسها كدولة أمان وطمأنينة لهذه الشعوب المتقاتلة والنازفة بدماء أبنائها، كما أضافت لإنسانيتها «المفرطة» استقبال الجرحى والمصابين من بعض جبهات القتال في سوريا، الذين قد يكونون من «النصرة» أو غيرها من التنظيمات الأخرى، وأخذوا يتلقون العلاج في مستشفيات ميدانية أو مشافٍ إسرائيلية، إذا كانت حالاتهم خطرة. وبذلك، ظهرت إسرائيل في منتهى الإنسانية والعطف، في الوقت ذاته الذي تقوم فيه بحصار غزة، والحصار كلمة قد تكون عابرة، لكن تفاصيلها كبيرة، مادامت تسجن مليونا وثمانمائة ألف مواطن غزاوي، في مساحة تقدَّر بـ 314 كيلومترا مربعا، تمنع عنهم الغذاء والدواء وسبل المعيشة وأدوات البناء واحتياجات الحياة اليومية، ولا بأس من أن تشن بين فترة وأخرى حربا تدميرية عليهم، باستخدام كافة الأسلحة الحديثة؛ من طائرات وسفن ومدافع، وما يشبه التمرين الحيّ على استخدام القنابل المستحدثة في ترسانتها.
كذلك في الوقت ذاته الذي تقوم فيه، بشكل يومي، بتقطيع أوصال الضفة الغربية، بشتى أنواع التجزئة والفصل، بالمستعمرات والحواجز الثابتة والطيارة، وبإذلال الشعب الفلسطيني بشكل يومي، في إطار منهجية لإجبار السكان على المغادرة إلى أي جهة غير أرضهم وجذورهم، مع استخدام القوة المفرطة.. فإسرائيل دائما ما تستخدم الإفراط في كل شيء، كالقتل والتشريد والتهجير لكل أسرة يرتكب أحد أفرادها عملا «إرهابيا»، كما تذيعه في بياناتها.. هي تمارس عملية تضييق يومية وممنهجة، لتخلق من الضفة جحيما لغير اليهود.
ما يحدث في هذه البقعة العربية، أو تلك، نتاج السياسة الأميركية، سواء في العراق، بتدشينها نظرية «الفوضى الخلاقة»، أو في سوريا، ودورها التدميري منذ ما قبل عام 2011، وفق ما صرَّح به وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، رولاند دوما، حين تحدَّث عن «نية» بريطانيا قبل سنتين من ذلك العام، زعزعة الأوضاع في سوريا والإطاحة ببشار الأسد.. وبالطبع، فإن نية هذه الدوائر تأخذ مفاعيلها وتتحرك أدواتها، ولا تبقى فقط في خانة التمني والأمنيات. بالنسبة للغرب فوضاهم قد تكون خلاقة من وجهة نظرهم، مادام النفط والمال يجريان في عروق اقتصاداتهم، في حين تكون مدمرة لنا وتقود أبناءنا إلى الهجرة من أوسع الأبواب، بالقوارب المطاطية أو السفن المتهالكة أو شاحنات النقل، ليكونوا قريبين من الموت في أي لحظة.
هذه الهجرات قادت إلى إسرائيل، فالتوحش الذي أطلقت أغلاله، ينساب من كل مكان، بما يغذى من أفكار على مرّ عقود.. وهكذا غدا حالنا… فمن غير تردد، تطأ أقدامنا أرض العدو، لاستخدامنا كدعاية فجة له، وسط سيل من الدماء العربية في غزة والضفة.