
حوار: عزة عثمان
أكدت استشارية الطب النفسي والأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة الكويت د.مريم العوضي، أن نظرة الناس للعلاج النفسي تغيَّرت كثيراً خلال السنوات العشر الماضية، وأصبحت هناك نظرة إيجابية لهذا العلاج، بعد أن كانت النظرة له في السابق سلبية جداً.
وأضافت د.العوضي في حوار مع «الطليعة»، أنه على الرغم من هذه النقلة، فإننا لا نزال بحاجة للتوعية بأهمية العلاج النفسي، خصوصا في الوسط الطبي، مشيرة إلى أن أكثر الفئات العمرية تعرضا للإصابة بالأمراض النفسية بين 20 و40 سنة، وهذه الفئة هي الأكثر قناعة بالعلاج النفسي.
وبينت أن نسبة إصابة النساء الحوامل وحديثي الولادة بالاكتئاب في الكويت نحو 13 في المائة، منهن 7 في المائة يحاولن الانتحار وإيذاء أنفسهن، مؤكدة أن التغيرات الاقتصادية والحروب والإرهاب لا تسبب الإصابة بالأمراض النفسية بالشكل الكبير الذي يتخيَّله الناس.
قضايا عديدة تناولها الحوار، وفي ما يلي التفاصيل:
● منذ قديم الزمان ونحن نعرف نظرة مجتمعنا العربي للعلاج النفسي، ورفض هذا النوع من التداوي، ونحن الآن في عصر الانفتاح والتكنولوجيا.. هل تغيَّرت نظرة مجتمعنا لهذا العلاج، وأصبحت لديه القناعة بأهميته؟
– منذ عام 2005، ألاحظ أنه أصبحت هناك نقلة نوعية في نظرة المجتمع الكويتي للأمراض النفسية ومجال الطب النفسي، خصوصاً بعد افتتاح مستشفى الطب النفسي، وعودة عدد من الأطباء الكويتيين، الذين تخصصوا في الطب النفسي من الخارج، الأمر الذي ساعد على توعية المجتمع بأهمية علاج الأمراض النفسية، وعلى العمل الجماعي في هذا المجال، الذي كان يفتقد روح الفريق، وأصبح كثير من الناس يتقبَّل الحديث عن مشاكلهم النفسية، ويطلبون المساعدة أو العلاج، وهو ما يعني أن نظرة المجتمع للأمراض النفسية في السنوات الأخيرة أصبحت إيجابية.
توعية القطاع الطبي
● مع هذا الوعي، هل لا يزال المجتمع بحاجة للتوعية بأهمية العلاج النفسي وخطورة عدم علاج المريض؟
ـ طبعاً، لا نزال بحاجة للتوعية، وإطلاق حملات، مثل حملة «تقبل»، والتوعية لا تبدأ في المجتمع فقط، لكن يجب أن تبدأ في القطاع الطبي. فللأسف، هناك نوع من عدم الفهم للطب النفسي حتى داخل هذا القطاع، الذي نجد فيه نوعاً من عدم الاهتمام من بعض الأطباء، على الرغم من دراستهم ومعرفتهم بأهمية العلاج النفسي، لذلك أرى أن التوعية لا بد أن تكون في القطاع الطبي أولاً، من ثم المجتمع بشكل عام، خصوصا أنه لا تزال هناك فئات لا تصدق أن عدم علاج الأمراض النفسية يشكل خطورة لا تقل عن خطورة الأمراض الأخرى، وربما تصل للضعف، لذلك رغم تطورنا، نوعاً ما، في هذا المجال، لكننا نحتاج إلى التطور والتوعية أكثر.
● ما الفئات العمرية الأكثر قناعة بضرورة العلاج من الأمراض النفسية؟
– من 20 إلى 40 سنة، فهذه الشريحة هي الأكثر تقبلاً للعلاج النفسي، بحكم انفتاح تلك الفئات على المجتمع الغربي، وأيضاً بسبب كثرة متابعتها للميديا والتلفزيون، وفي الوقت نفسه لأن أغلب الأمراض النفسية تصيب تلك الفئات العمرية.
● ولماذا تلك الفئة بالتحديد هي الأكثر عرضة للأمراض النفسية؟
– الأمراض النفسية مثلها مثل باقي الأمراض الأخرى، فكما أن هناك أمراضاً تصيب فئات من 50 إلى 60، كالضغط والسكري، فإن الأمراض النفسية أيضاً، كالاكتئاب مثلاً، يصيب عادة الفئات العمرية من 25 إلى 40 سنة، والشيء نفسه بالنسبة للقلق والوسواس القهري، اللذين قد يظهران في تلك المرحلة بسبب تغيُّرات هرمونية أو وراثية، وغيرها من التغيرات تصيب تلك المرحلة بالتحديد، لذلك نجد أن هذه الفئة هي الأكثر إقبالاً على العلاج النفسي.
خطورة عدم العلاج
● هل تشكل الأمراض النفسية خطورة على الإنسان، في حال عدم العلاج؟
– نعم، هناك أمراض تشكل خطورة كبيرة على المريض، وعلى من حوله في حال عدم علاجها، منها مرض الفصام، الذي يُعد من أخطر الأمراض النفسية، فإذا أصيب الإنسان به، ولم يأخذ العلاج، فمن الممكن جدا أن يؤذي نفسه ومَن حوله، وينعزل عزلة كاملة، لأنه كلما أهملنا المرض أثر ذلك في المخ وأسلوب حياة الإنسان، وكذلك الاكتئاب أيضاً، فعدم علاجه يشكل خطورة، ونسبة الإصابة به ليست قليلة، ومن الممكن أن تصل نسبة المصابين به من 15 إلى 20 في المائة، والنساء أكثر تعرضا للإصابة به من الرجال بما يعادل الضعف، بسبب الحمل والولادة وسن اليأس، كما أن التغيُّرات التي تمر بها المرأة تجعل النساء أكثر تعرضا للإصابة بالاكتئاب من الرجال، وهذا المرض يمكن أن يصيب الإنسان، ويذهب من نفسه دون علاج، لكنه يأخذ وقتاً مضاعفاً وطويلاً عن وقت العلاج، فمن الممكن أن يعاني شخص الاكتئاب سنة أو سنتين ولا يذهب للعلاج، وخلال هذه المدة يتعرض للقلق وعدم النوم وأمور كثيرة تؤثر في حياته، وفيمن حوله بشكل سلبي، ولو ذهب هذا الشخص للطبيب، بمجرد شعوره بالاكتئاب، فمن الممكن أن يعالج خلال أسابيع، ويعود إلى حياته الطبيعية من دون أي توتر. وأود أن أؤكد أن الأمراض النفسية حالها حال كل الأمراض الأخرى، كلما تأخرنا في علاجها كان الشفاء منها أصعب وتأثير الدواء أقل، وعلى العكس، فكلما سارع المريض إلى الطبيب النفسي مع بداية ظهور أعراض المرض كان تأثير الدواء أكثر وشفاؤه أسرع.
● نعيش الآن فترة حروب وإرهاب وتراجع اقتصادي كبير وعناوين صحف يومية تصيب الإنسان بالفزع، هل يمكن أن تؤثر تلك الظروف في صحة الإنسان النفسية أم لا؟
– أي أزمة يمر بها الإنسان أو أي قلق يؤدي بطبيعته إلى عدم الأمان، وعدم الأمان ليس فقط في الحرب، حتى المادة تسبب نوعاً من القلق والخوف وعدم الأمان، وأحيانا تؤدي إلى هستيريا، وفق ردة فعل الإنسان، لكن هذه الأمور لا تسبب مرضاً نفسياً بحد ذاته، لأن الأمراض النفسية لا تظهر تحت ضغط أو أزمة، حتى الدول التي فيها حروب أقل من 25 في المائة منها فقط يصابون باضطرابات وقت الأزمة.
● لكن كيف يمكن أن يصاب الإنسان في ظل كل هذه التغيرات بالمرض النفسي؟ وكيف يمكن له أن يتجنب الإصابة به؟
– الوضع الراهن يمكن أن يسبب خوفاً وقلقاً، لكنه شيء طبيعي، لأنه تغيير قد يسبب قلقاً، إلا أن بعض الناس قد يصابون بأمراض نفسية، ونصيحتنا للناس، في ظل الأوضاع الراهنة والتغيرات المترقبة، أن يرتبوا أمورهم وأوضاعهم، بحيث يقللون من الخوف من المجهول ويتصرفون بشكل طبيعي، لأنه لو نظرنا للأوضاع نظرة غير واقعية، فمن الممكن جدا أن نصاب بأمراض نفسية كثيرة، بسبب الخوف والقلق، وهي جزء طبيعي من ردة فعل الإنسان، وقد تتحول إلى مرض نفسي إذا استمرت ولم تنتهِ.
علاج جماعي
● ما العلاج النفسي الجماعي؟
– هو علاج لعدد من الأشخاص يمرون بنفس الحالة النفسية والتشخيص، ولكي يكون علاجهم ناجحاً يفضل أن يكونوا من جنس واحد ومرحلة عمرية متقاربة.
وأذكر أنني عندما تخصصت كان تحت إدارتي مجموعة من الأمهات حديثات الولادة، كان عددهن ثماني أمهات، ويعانين اكتئابا، بسبب مرحلة وتغيرات ما بعد الولادة، والتشخيص كان موحداً وظروفهن واحدة، وكان هذا العلاج مفيداً لهن جداً، لأن المريض يستفيد من هذا النوع من العلاج أكثر مما يستفيد من الطبيب، حيث يشعر بأنه ليس بمفرده.
ومن خلال تجربتي الشخصية على مجموعة من النساء كان هذا العلاج ناجعاً، وكان تأثيرهن ببعضهن بعضاً إيجابياً في العلاج.
● هل كل الأمراض النفسية يمكن أن يناسبها العلاج الجماعي؟
– لا طبعاً، هناك أمراض معينة يفيد فيها هذا العلاج، مثل حالات النساء التي ذكرتها، ويفيد أيضاً في حالات العلاج من الإدمان، الذي يعد من أكثر الأمراض التي ينجح فيها العلاج الجماعي، ونسبة النجاح في العلاج تكون عالية، لأن فيه دعماً وتشجيعاً على العلاج وإكماله، خصوصا أن نسبة الانتكاسة فيه عالية، وكذلك الاكتئاب من الأمراض التي ينجح فيها العلاج الجماعي، لأن أمراض القلق جميعها ينجح علاجها في المجموعة، والاضطرابات في الشخصية، لأن هذه الأمراض أغلب الوقت تكون مزمنة، لذا يفضل فيها العلاج الجماعي. أما الأمراض التي لا ينفع فيها العلاج الجماعي إطلاقا، فهي الفصام، لأن المريض به يكون مصاباً بالأوهام والشكوك في الآخرين ووجود المجموعة قد يزيد الشكوك والأوهام عنده.
العنف ضد الرجل
● تحدثنا كثيرا عن العنف ضد المرأة وتأثيره عليها، لكن نريد أن نعرف تأثير العنف ضد الرجل، خصوصا إذا كان من المرأة، وهل يؤثر في نفسيته؟
– العنف ضد الرجل تأثيره قريب جدا من تأثير العنف ضد المرأة، لأن الأمراض النفسية لا تعرف جنساً، وهذه الأمور تصيب كل إنسان في وضع غير آمن أو فيه خوف، وفي مجتمعاتنا العنف ضد الرجل يسبب أزمة ثانية على الرجل، لأنه من الصعب جدا على الرجل أن يلجأ لأحد يساعده، خصوصا أن الوضع غير مقبول، وإذا تعرض الرجل للعنف، فليس من الضروري أن يكون جسدياً، وهو أقل ضرر من أنواع العنف الأخرى، لكن العنف عموما في المجتمعات العالمية تتعرض له المرأة أكثر.
● لماذا يعد علاج العنف الجسدي أسهل من الأنواع الأخرى من العنف؟
– لأنه ظاهر للعين، وكلما كانت آثاره واضحة سهل علاجه، والعكس صحيح كان خافياً، كالعنف العاطفي واللفظي، أصبح علاجه صعبا جدا، لأنه غير ظاهر، وتأثيره النفسي يكون أخطر وأكبر.
● كطبيبة نفسية، ماذا تطلبين من أي أحد يعاني مرضا نفسيا ويرفض العلاج؟
– أتمنى من الناس ألا تحكم على الشيء من دون تجربة، خصوصا العلاج النفسي بالأدوية أو مراجعة الطبيب النفسي، لأن هناك مرضى كثيرين يعانون نفسيا ويتأخرون في علاجهم، بمجرد أنهم سمعوا كلاماً خاطئاً أو إشاعات عن العلاج النفسي.
معتقدات خاطئة
في سؤال حول أكثر الأمور التي تواجه الأطباء في العلاج النفسي، قالت العوضي: من أكثر الأمور التي تواجهنا خوف المرضى من أخذ الأدوية، بسبب معتقدات خاطئة، أنهم قد يدمنون العلاج أو يجعلهم في حالة نوم معظم الوقت، وهذا ما يعيق عملنا في بعض الأحيان، على الرغم من أن دواء أي مرض نفسي حاله حال أي دواء لأي مرض آخر الانتظام في أخذه يسرع في علاج المريض وعدم أخذه يؤخر الشفاء.
