
حوار آدم عبدالحليم:
رمزي أبورضوان.. يصفه البعض بأيقونة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، بسبب صورته الشهيرة وهو طفل يرشق العدو الإسرائيلي بالحجارة، خدمته الظروف في دراسة الموسيقى بباريس في أكبر معاهدها، ليعود إلى وطنه من جديد، ويؤسس جمعية الكمنجاتي، ليأخذ على عاتقه تعليم الموسيقى للأجيال الفلسطينية بجهود ذاتية، وتبرعات من قِبل بعض الجهات الدولية.
يرى المايسترو وعازف الفيولا المعروف عالمياً رمزي أبورضوان، أن الموسيقى قادرة على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وإحراجه أمام العالم، ثقافيا وفنيا، مؤكدا أنه يسعى ومعه أصدقاؤه في حركة «BDS» إلى استكمال مخططهم، الذي يكلف إسرائيل سنويا 31 مليار دولار، من جراء المقاطعة، بمختلف أنواعها، رافضا إطلاق مصطلح المقاومة الناعمة على وسائله.
وأكد أنهم يعملون على مدار اليوم، للوصول لأهدافهم، على الرغم من المضايقات الإسرائيلية، والقوانين التي تصدرها لتحجم أعمالهم.
«الطليعة» التقت أبورضوان خلال زيارته للكويت، للمشاركة في مهرجان القرين الثقافي، الذي فتح قلبه لها، وكان هذا الحوار:
● في البداية، حدثنا عن صورتك الشهيرة التي يصنفها البعض بأنها أيقونة الانتفاضة الأولى، كيف لطفل يحمل حجراً أن يستكمل مشواره النضالي بالكمنجة؟
– الكمنجة التي أحملها، هي استكمال للمشوار الذي بدأته أنا وغيري في الانتفاضة الأولى.. نحن في حاجة لكل ما ينتجه الإنسان من وسائل للتعبير، صورة رشقي للحجارة في وجه المحتل إحدى صور رفض الاستعمار ودحره، وما الصورة الأخرى التي أحمل فيها الكمنجة سوى رسالة بطريقة مغايرة لا تقل عن الصورة الأولى، مفادها أننا كفلسطينيين قادرين على تنويع الأساليب، التي تؤكد رفضنا للعدو والاحتلال.
رسالة
● هل يعد حمل الكمان في وجه العدو رسالة يفهمها العالم؟
ـ بالطبع، هي رسالة يتقبلها العالم بثقافته وحبه للحياة، تغاير تلك الرسالة الصورة النمطية التي وضعنا فيها الإعلام الإسرائيلي كفلسطينيين، الضغط على الزناد للقتل والتدمير أسهل بكثير من البناء.
هم يعتقدون أن منهجهم في القتل والاحتلال قادر على إنهاء الصراع، لكن النتائج والواقع يؤكدان عكس ذلك تماما، فمنهجهم ليس حلاً، والحل الحقيقي، أن تعطي لكل طرف حقه، في إطار من الإنسانية والحفاظ على أرواح البشر التي هي أسمى شيء.
● لكن المتابع يؤكد أن إسرائيل بدأت في محاصرة راشقي الحجارة؟
– للأسف، أصدرت إسرائيل سلسلة من القوانين التي تجرم راشقي الحجارة، لتصل العقوبات إلى السجن عشرين عاما، الأمر أيضاً وصل إلى محاصرة الأساليب الأخرى، ومنها الموسيقى، وتحاول إسرائيل حاليا الالتفاف، بوضع قوانين لدى المانحين، لإجبارهم على التطبيع، وإشراك مؤسسات بقوميات يهودية مع مؤسسات فلسطينية وعربية، فهي تحاول تمرير قوانين تعطل من مسيرتنا المقاطعة لها، لكن المقاطعة ماضية ومستمرة بشكل سريع.
● على ذكر المقاطعة، هل لكم صلة بحركة BDS (حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل)؟
– نحن جزء أصيل منها، ونعمل مع مؤسسيها والمنتسبين لها على استكمال أهدافنا، لكي نوصل حقيقة إسرائيل إلى العالم أجمع.
جمعية الكمنجاتي
● كيف هو عملكم في الحركة؟
– كما تعلم، نحن لدينا جمعية الكمنجاتي الموسيقية، التي تهدف إلى جعل الموسيقى في متناول أطفال فلسطين في الداخل والمخيمات الفلسطينية في الخارج، ومن خلال تلك الجمعية نجحنا في أوقات سابقة بإقناع موسيقيين عالميين بالعزف في الأراضي الفلسطينية، وتسليط الضوء على المعاناة التي يعيشها الشعب وقضيته.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، لكن نجحنا في إقناع موسيقيين عالميين لهم وزنهم بعدم الذهاب إلى إسرائيل وإقامة حفلاتهم هناك، والاكتفاء بالحفلات في الأراضي الفلسطينية.
● وهل نجحتم في إقناعهم؟
– حققنا نجاحات كثيرة، لكن للأسف يظل هناك عدم تجاوب من قبل البعض.
● وكيف تتعاملون مع الرافضين؟
– من يرفض منهم نرفض استضافته في فلسطين، الأمر لا يتعلق بالأشخاص والعازفين فقط، لكن يمتد إلى الفرق والمراكز الموسيقية والثقافية والمحطات والقنوات التلفزيونية، ولدينا دعوات كثيرة من جهات وحكومات تخطط لأعمال مشتركة بين إسرائيل وفلسطين، ودائما ما يكون ردنا الرفض القاطع، وهناك نحو من 20 – 30 في المائة يقتنع بوجهة نظرنا، بأن يكون العمل مع الفلسطينيين فقط، بعد أن نشرح لهم الوضع بشكل واضح.
النجاح ليس في إقناع عازف أو فرقة بعدم العرض في إسرائيل، لكن الأروع، أن تكسب هؤلاء الموسيقيين الكبار أمثال روجيه ويتر، وفرقة بيتلز، وفرقة سعاد ماس «الفرنسية»، وتيري روبان، وغيرهم من الموسيقيين أصحاب البصمة والتصنيف العالمي في عالم الموسيقى والفن بشكل عام في أن يكونوا في صفك يدافعون عن قضيتك، ويرفضون حتى مجرد زيارة إسرائيل للعزف والعمل هناك، على الرغم أن ذلك يؤثر في عملهم، كونه مصدر دخلهم الوحيد.
عوامل ضغط
● برأيك، هل تعتقد أن تلك الوسائل الناعمة قادرة على إحراج إسرائيل؟
– كلها عوامل ضغط تؤثر في شكل إسرائيل ثقافيا، رفض الدعوات من قبل الشخصيات العالمية من فنانين وعازفين أمر يحرج إسرائيل، ويظهر وجهها الحقيقي في كونها دولة عنصرية، فقد درست الموسيقى عشر سنوات في فرنسا بمعهد الكونسرفتوار، وحصلت على عدة شهادات وأجند كل معارفي وأصدقائي لخدمة أهدافنا، وهي اظهار حقيقة الوضع الفلسطيني ومقاطعة إسرائيل موسيقيا وثقافيا.
● هل لك أن تحدثنا عن جمعية الكمنجاتي؟
– هي عبارة عن معاهد موسيقية هدفها جعل الموسيقى في متناول أطفالنا، تأسست الكمنجاتي في 2002 في مدينة أونجيه الفرنسية، من ثم انتقلت إلى رام الله في فلسطين، وتم اعتمادها في سجل الجمعيات الخيرية وفي 2008، وبدأ التدريس في مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة في لبنان، بالتعاون مع مؤسسة بيت أطفال الصود، حتى وصل الأمر إلى انتشار الموسيقى في أنحاء فلسطين من خلال ثمانية مراكز بما فيها غزة، والكمنجاتي حاليا يعمل مع ألف طفل فلسطيني نعلمهم الموسيقى، ونوفر لغير القادرين الدراسة والتعلم مجانا.
● من الذي يمولكم؟
– لدينا تمويل من عدة مؤسسات عالمية وعربية، وعلى سبيل المثال مؤسسة التعاون وعبدالمحسن القطان والاتحاد الأوروبي وبعض المنظمات والجهات الدولية التي تخصص جزءاً من ميزانيتها لخدمة ونشر الثقافة والموسيقى.
● وما نتائج الكمنجاتي؟
– كما قلت لك، لدينا ألف طفل كدارسين دائمين ومشاريع موسيقية أخرى، ونجحنا في بناء جيل كامل من الشباب درسوا معنا لـ 15 عاما، وهناك منهم من أكمل دراسته الأكاديمية في فرنسا وأوربا وأميركا وأصبحوا استاذة وعازفين في فرق عالمية.
نجحنا في ترميم بعض البيوت «الأحواش»، بالتعاون مع مؤسسة رواق ومالكي هذه الأحواش، وتحويلها إلى مراكز موسيقية، وأيضاً نجحنا في بناء ورش لإصلاح وصناعة الآلات الموسيقية، وبذلك أصبح من يريد أن يتعلم أو يصلح أو يشتري آلة موسيقية يذهب لفلسطين، وكذلك أصبح لدينا فنيو صيانة من الفلسطينيين، من دون الحاجة للصانعين أو الفنيين أو المعلمين الإسرائيليين، كما كان يحدث في السابق.
● لكن هناك من ينظر إلى هذا النوع من المقاومة على أنه إفلاس، على اعتبار أن المواجهة والمقاومة العسكرية هي وحدها ما تؤلم إسرائيل؟
– يجب ألا نكون متطرفين في الحكم على الأشياء، علينا أن نقرأ الواقع بشكل جيد، علينا أن نتفهم كيف نحدث أساليبنا لمواجهة الاساليب الأخرى للطرف الآخر، التي هي في تحديث مستمر ومعه أدواته الإعلامية أطلقوا على وسائلنا المقاومة الناعمة. شخصيا أرفض هذا الوصف، كيف تكون تلك الأساليب ناعمة ونحن نعمل على مدار 24 ساعة، وفق استراتيجية وخطط مرحلية، لكي نصل برسالتنا ونقاوم عدوا متعنتا.
مقاومة ثقافية أدبية
● إذن، ماذا تسميها؟
– هي مقاومة ثقافية أدبية مكملة للمقاومة الفعلية على الأرض، لا تتناقض أبدا معها، هدفها واضح وهو الهدف الرئيس لكل أشكال المقاومة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحرير كامل الأرض الفلسطينية، ونحن مصممون على المضي قدما في مشروعنا، لكي نقاوم في ظل مجتمع كامل مثقف متعلم.
نحن لا ننجب أطفالنا لنضعهم أمام الدبابات والأسلحة الإسرائيلية المتنوعة لكي نقضي عليهم، نحن نثقفهم حتى يواجهوا الاحتلال بوسائل توجعه تنتهي به إلى القضاء عليه، وذلك قبل أن تحرجه أمام العالم بأدواته وأساليبه المستحدثة، فالمقاومة ليست فقط حجراً ورشاشاً، لكن هي استراتيجية بأساليب مختلفة، الدولة تكون كاملة عندما تكتمل كافة عناصرها وبالموسيقى والتنمية الثقافية سنكون قادرين على استكمال بناء الدولة المحاصرة.
● وماذا عن المقاومة الحقيقية؟
– لا استغناء عنها بالتأكيد، الفلسطينيون للأسف محصورون ومعزولون ويعانون صمت العالم العربي وتجاهله لهم.
للأسف، لا نمتلك جيشاً، ومستوانا العسكري صفر، في الوقت الذي يصنف الجيش الإسرائيلي برابع أقوى الجيوش عالميا، والبعض يؤكد أن هذا ما تريده إسرائيل الابتعاد عن كافة أشكال المقاومة، واستبدالها بطرق أخرى.
ويكفي أن أقول لك إن إسرائيل الآن أسست وزارة كاملة بوحدة مخابرات منفصلة، لمواجهة تحركات ونجاحات حركة BDS، نجاحات المقاطعة أجبرت كيانات اقتصادية وثقافية عملاقة على مقاطعتها، ويكفي أن أؤكد لك أن الخسارة السنوية التي تتكبَّدها إسرائيل، بفضل المقاطعة، تتخطى حاجز 31 مليار دولار، وهذه المبالغ الطائلة لا تقارن بالخسائر الأخلاقية الأخرى التي تجنيها إسرائيل أمام العالم ومثقفيه، وهذا أكثر ما يوجعهم.
● إذاً أنت تعتقد أن هذا الطريق الموازي سيحقق نجاحات؟
– تجربة جنوب أفريقيا خير مثال على التأكيد على نجاح راهننا، فقد أدت تجربة المقاطعة في جنوب أفريقيا إلى تحرر البلاد هناك، وبعدما قاطع العالم نظام الفصل العنصري الذي كان قائما هناك في وقتها.
الموسيقى لا تبعد الشباب عن الوطنية والانتماء، بالعكس هي تقوي ذلك العنصر، نحن حافظنا على الموروث الفلسطيني، من خلال تعليمنا الموسيقى، وأعدنا الوجه الجميل لفلسطين، ويكفي أنه قبل 1990 لم تكن هناك معاهد تدرس الموسيقى، وكان على الراغبين الذهاب إلى إسرائيل.
● لو طلب منك إشراك أطفال إسرائيليين في معاهدكم ليتعلموا مع أقرانهم من الفلسطينيين، كيف سيكون ردكم؟
– بالطبع سأرفض.
● لماذا؟
– لماذا أوافق على تعليم من يحتل أرضي.. هذا تطبيع، وأنا ضد التطبيع نهائيا.
● متى يمكنك الموافقة على طلب مثل هذا؟
– الاحتلال الآن يقوم بقتل أطفالنا بشكل يومي، كيف لي أن أفكر الآن، مجرد التفكير، في مشاركة أطفالنا في نشاط موسيقي مع من يقتلهم، إنه أمر غريب ومرفوض.
● وماذا عن الادعاءات أن هذا ضد الإنسانية؟
– «هذا حكي فاضي».. علينا أن نكون أولا متساوين، بعدها نقرر كيف تكون هناك علاقات مشتركة.
● هل تعتقد أن الفكر الثوري للربيع العربي أثر في فلسطين؟
– كما قلت، نحن نعيش في عزلة تامة عن العالم العربي، ونستقي إخبارنا من التلفزيونات، وقد كان هناك تأثير معنوي كبير على نفوس الفلسطينيين للثورات السلمية، وخاصة أن هناك ثورات تحوَّلت إلى حروب أهلية، كما حدث في سوريا وليبيا، فنحن ضد التقاتل، كونه يضعف العرب، والذي بدوره يضعف القضية الفلسطينية.
● ماذا عن لقاءك بالدكتور أحمد الخطيب؟
– شعرت بفخر كبير خلال لقائي معه، وخاصة أنه تطرَّق معي إلى أحاديث لم أعايشها من قبل عن الثورة الفلسطينية، وأخطاء وإيجابيات المرحلة، وتقييم لدور منظمة التحرير والمقاومة.
كما أشكر الشخصيات الكويتية التي التقيتها، وكذلك القائمين على مهرجان القرين، وقد تحدثت مع عدد من الشخصيات عن أعمال فنية مشتركة مع الكويت، لتبادل الفكر الثقافي، ومحاولة إظهار جوانب حياتية أخرى للشعب الفلسطيني.
● برأيك ما أهم الإخفاقات التي وقعنا فيها خلال مراحل القضية؟
– أكبر الأخطاء، عدم سعي منظمة التحرير إلى بناء مؤسسات ترفع من قيمة المجتمع الفلسطيني وتقويه، وأقصد هنا جامعات، مراكز ثقافية، مستشفيات، مجتمع مدني.
للأسف، اكتفت السلطة بأداء دور غير واضح، وأخفقت في مهام كثيرة، وتفرغت للبيزنس.
● أين ترى الخلل؟
– الخلل يكمن في أن بنية الحكم في العالم العربي غير صحية، ولو كانت صحية، لاستطاعوا حل القضية الفلسطينية ومائة قضية أخرى.
