تحلُّ على الكويت هذه الأيام ذكرى العيد الوطني ويوم التحرير، وهي بلا شك ذكريات عزيزة على قلوبنا جميعا.
وبهذه المناسبة، تتقدَّم أسرة «الطليعة» بأطيب التهاني إلى الشعب الكويتي الكريم، وتتمنى أن يدوم الرخاء والرفعة والازدهار على هذا البلد العزيز، بإذن الله.
ذكرى العيد الوطني ويوم التحرير مناسبة تستوجب أن نستذكر خلالها نساءً ورجالاً قدموا أرواحهم فداء لهذا الوطن، وآخرين من الرواد الأحياء الأفاضل، أطال الله في أعمارهم، وآخرين أيضا ممن رحلوا عن دنيانا، لكن آثارهم وأعمالهم الجليلة ظلت ماثلة أمام أعيننا، لتخلد ذكراهم الطيبة، وتحكي لنا عمَّا بذلوه من جهد وتضحية في سبيل رفعة شأن هذا الوطن.
لقد كانوا مثالاً للبذل والتضحية والعطاء، لم يطمحوا إلى مجد شخصي أو غنيمة، بل كان همُّهم الأول والأخير خير ورفعة شأن هذا الوطن.
عملوا بصمت وفي ظروف وبيئة صعبة على جميع المستويات، ولعل أهم إنجازاتهم صياغة دستور الكويت، الذي خطّ بماء الذهب، ليكون عهداً مقدساً بين أهل الكويت والحاكم، وهو عهد رفع من شأن المواطن الذي كان فرداً من الرعية، ليصبح مصدراً للسلطات وشريكاً في تقرير مصيره وشؤون بلده.
هذه المناسبة تدعونا للتأمل ولتفحص حالنا اليوم، وكيف أصبحنا، وما هو مستقبل بلدنا وأولادنا، في ظل تأزم الأوضاع محلياً وإقليمياً ودولياً.
على المستوى المحلي، لا يمكن لمظاهر الزينة والصور المنتشرة في الشوارع أن تُخفي سوء الحال الذي نحن عليه، فالفساد الذي ملأ جميع مؤسسات الدولة وتسبب في تدهور وسوء إدارة البلد والخدمات فيها، وصل إلى مستوى كارثي لا يتلاءم مع طموحات المواطن الذي يحلم بعيش كريم، في بلد يملك من الإمكانات المادية التي تفيض عن حاجة عدد سكانه بدرجات.
تم العبث في كل شيء، إرضاءً لأطماع بعض المتنفذين الذين لن تمتلئ كروشهم حتى من تراب القبر.
الدستور انُتهك، وأصبح جسداً بلا روح، والقانون أصبح أداةً لقمع المعارضين وتنفيع الموالين، ومجلس الأمة دُجن وأصبح طيعاً في يد السلطة.
اجتماعياً، نتألم كثيراً حينما نرى مظاهر الفُرقة التي دبَّت بين أفراد المجتمع، فقد تم – بفعل فاعل – تقطيع أوصال مجتمعنا إلى فئات وجماعات، طائفياً وقبليا، فأصبح الولاء للجماعة وللطائفة والقبيلة، وليس للوطن، وهذا وضع ستكون نتائجه وخيمة على وحدة الوطن ووجوده، إن لم يتم تداركه من قبل العقلاء والمخلصين من أبنائه.
أوضاعنا الاقتصادية المتدهورة والمقلقة، نتيجة حتمية ومتوقعة لسياسات خاطئة سلكتها الحكومات المتعاقبة على مرّ سنوات، تم فيها إهدار واستنزاف ممنهج للثروة الوطنية، من دون اعتبار، لكونها ثروة ناضبة ومصدراً غير دائم ومضمون للدخل، فلم يُبذل أي جهد جدي باتجاه إيجاد البديل، أو التهيؤ لانخفاض أسعار النفط الحاصل الآن، والمتوقع أن يستمر لفترات طويلة مقبلة.
وما وزاد الطين بلة، أن ما يسمى بخطة التنمية والمقترحات التي طرحت لتترجم التوجهات المستقبلية للحكومة، فيها من الأمور المخيفة التي ستؤدي، إذا طُبقت، إلى أن يُباع البلد إلى القطاع الخاص، والمقصود بذلك، مجموعة معروفة من المتنفذين الذين يسيطرون حالياً على قطاع المقاولات، ويستحوذون على جميع المناقصات المليارية.
أما في مجال الخدمات، فلا يمكن أن تستمر الحال كما هي عليه الآن، فلا يُعقل أن ينحدر مستوى الخدمات الصحية أو التعليم أو المرافق العامة، كالمطار والطرق، إلى هذه الدرجة من السوء، فأين ذهبت المليارات التي دُفعت وتدفع في سبيل صيانتها وتطويرها؟ ولماذا لا نرى أي جدية في متابعة تحسينها أو محاسبة المقصّرين المتسببين في سوء أدائها أو صيانتها؟
خارجياً، تمتعت الكويت دائماً بدور وأداء مميزين في العلاقات الدبلوماسية، إقليمياً ودولياً، فهي دائماً الوسيط المحايد والبارع في فض النزاعات بين الدول، وتقريب وجهات النظر بين الأشقاء والأصدقاء، أما اليوم، فصورتها غدت باهتة دبلوماسياً، بل أقرب إلى التابع منها إلى المبادر في مواقفها أمام ما يجري من أحداث في المنطقة.
اشتقنا كثيراً إلى الكويت التي خبرناها في الماضي، تلك التي تقتحم المشهد، وتتصدى بكل ثقة لإطفاء فتيل الحروب والخلافات.
لقد تم خذلان نساء ورجال الكويت الرواد الأوفياء الذين أسسوا لكويت جميلة تسودها الألفة والمحبة، ويعيش فيها شعب طموح يسعى دائماً إلى مستقبل أفضل لبلد يحتضن الجميع بحب وأمان، أين نحن الآن من كل هذا؟ وهل هناك فعلاً ما يدعو للاحتفال؟