آدم عبدالحليم:
لم يكن محمد حسنين هيكل مجرَّد صحافي، أو شخصية إعلامية عابرة، أو رجلاً بنفوذ سياسي قريب من صُناع القرار فقط، بل كان شخصية جمعت بين السياسة والأدب، وكان له السبق في تاريخ الحياة السياسية، ليكون أول وزير في الحكومة يحتفظ بمنصبه كرئيس تحرير جريدة الأهرام الذي استمر في رئاسة تحريرها لأكثر من 17 عاما، رافضا تركها وتولي مناصب عدة، بعد وفاة جمال عبدالناصر، الذي اشترط عليه التخلي عن منصبه فيها.
هيكل، الذي وافته المنية الأسبوع الماضي عن 93 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، نعته شخصيات سياسية ومؤسسات عربية عدة، على رأسها الرئاسة المصرية، والاتحاد العام للأدباء والكُتاب العرب وجامعة الدول العربية والبرلمان العربي والرئاسة الفلسطينية وحزب الله اللبناني، وأطلقت العديد من وسائل الإعلام عليه لقب «صديق الحكام»، لقربه من ملوك ورؤساء وحكام عرب وإيرانيين وغربيين، أشهرهم بالطبع الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، وكذلك الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران وآخرين.
منذ أن التحق هيكل بالصحافة مطلع أربعينات القرن الماضي كصحافي تحت التمرين في جريدة الايجبشان غازيت (الناطقة بالإنكليزية) صنع لنفسه خطا فريدا عن بقية زملاء مهنته، بأن جعل التوثيق عنوانا لأعماله، وبذلك أصبحت مؤلفاته بمنزلة مراجع علمية يستمد منه الباحثون مصادرهم.
وقد يكون هيكل هو الكاتب والأديب الوحيد الذي يرفق في كتبه وأعماله صورا للوثائق وأرشيفات نادرة غاية في الخطورة، وفعل الأمر نفسه في لقاءاته الشهيرة بقناة الجزيرة، الأمر الذي كان سببا في اتهامه من قبل كثيرين، بالاستيلاء على الوثائق التاريخية، بحكم قربه من السياسيين ومن يمتلك حق إعطاء تلك الوثائق التاريخية.
اتقانه للغة الإنكليزية، بفضل دراسته في القسم الأوروبي بالجامعة الأميركية، بعد حصوله على مؤهله المتوسط، كان سببا في تغيير حياته المهنية التي بدأها كمحرر للحوادث، بأن أصبح محررا عسكريا جاب عدة دول اقترب فيها من خطوط النار، ووصف بأسلوب رشيق الخطط العسكرية، وكيف كانت أصوات المدافع والرصاص سببا في فقدان أو اكتساب أرض جديدة قامت على أشلاء جنود صنعوا مجدا لسياسيين لم يشاركوا في المعارك.
على الرغم من القامة الفكرية والمهنية للأستاذ – كما يلقبونه – لكنه يعد من أكثر الشخصيات التي أثيرت حولها الانتقادات، وقد وُصف من أحد الكتاب بالقول: «أشهد بقدرات هيكل الهائلة على دس أكاذيبه في أغلفة أنيقة مزورة وفي ثنايا أنصاف الحقائق، حتى إن اكتشاف المعلومة الصحيحة التي طمسها أو الأسطورة التي صنع لها يدين ورجلين يحتاج إلى خبرة وزمن وصبر».
ويؤكد معارضوه أنه دأب على تزييف التاريخ، بطرحه قضايا غير حقيقية للنقاش، لكي يتداولها العامة، وتصبح حقائق، وأهمها قضية دس الرئيس السابق أنور السادات السم للرئيس السابق جمال عبدالناصر، فضلاً عن إشارات البعض إلى افترائه على الرئيس الأسبق محمد نجيب، ومغالطات كثيرة تاريخية في كتبه، أهمها كتاب «حرب الخليج أوهام القوة والنصر».
لمع نجم هيكل سياسياً من جديد خلال الأيام الأخيرة لحكم الإخوان، ليصبح في تلك المرحلة أحد أكبر المهاجمين لجماعة الإخوان المسلمين وسياستهم خلال حكم الرئيس السابق د.محمد مرسي لمصر، وكان ذلك أحد أهم الأسباب في توجيه الرأي العام غير المسيس لمعارضة الإخوان المسلمين والتظاهر لإسقاطهم، وإجبار الرئيس المعزول محمد مرسي على مغادرة القصر.
ويحتفظ الحساب الرسمي لهيكل على «تويتر» بتغريدات عدة توثق تلك الفترة، منها «التيار الإسلامي لم يقم بثورة 25 يناير، لكنه استولى عليها باسم الإسلام، وفشل في أن يهبط على ثورة ليست من صنعه ثم يحكمها بآراء مبهمة وقاتمة»، وتغريدة أخرى قبيل ثورة 30 يونيو يقول فيها «متفائل بالمستقبل، وأنا في آخر عمري، مصر غير قابلة للموت أو التهميش، غير قابلة للتخلف والخروج من حركة التغيير، وأظن أنها ستجد طريق المستقبل».
وعلى الرغم من العلاقة القوية التي ربطت هيكل بالرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي أثناء وبعد ثورة يونيو، لدرجة نفيه شخصيا في تغريدة له، أن يكون مدير حملة السيسي الانتخابية أو كاتب خطاباته عندما خرجت شائعات تؤكد ذلك في تلك الفترة، لكن عدم حضور السيسي لجنازته أو أي من المسؤولين الرسميين تثير العديد من علامات الاستفهام حول علاقة هيكل في أواخر أيامه بالرئيس الجديد، التي تصنف على أنها متذبذبة.
ويرجع المصريون ذلك إلى غضب الرئاسة، بسبب انتقاد هيكل لسياسات السيسي في الآونة الأخيرة قبيل وفاته في لقاءاته على إحدى القنوات الفضائية، الأمر الذي جعل أحد الإعلاميين القريبين من السلطة يهاجم هيكل، ويؤكد أن سبب هجومه على السيسي، أنه «فقد الاتصال بالرئاسة».
من آخر ما كتبه هيكل على «تويتر» نصيحة قدمها للمصريين، قائلا في تغريدة له: «على المصريين ألا يرتكبوا خطيئة أهالي بيزنطة.. عندما انهمكوا في الجدل حول جنس الملائكة.. ونسوا أن الأعداء على الأسوار»، فهل سيأخذ المصريون بنصيحة الأستاذ، ويقلعون عن ارتكاب الخطايا، أم سيستمرون في الجدل، ويسيرون على نهج بيزنطة، التي فقدت إمبراطوريتها، كما فقدت مصر أستاذها؟!