
كتب محرر الشؤون الثقافية:
التنبؤ بمستقبل الكويت، وما ستكون عليه خلال السنوات المقبلة، كان محور الكثير من الأعمال الأدبية والفنية، لكن الرواية والمسرحية تعدان أكثر الفنون التي تجلت فيها هذه الرؤية الاستشرافية نحو التطورات المتوقعة في المستقبل على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وحتى التغيرات المتخيلة على طبيعة البلدان جغرافياً وبنيوياً.
ولعل الرواية والمسرحية هما الأكثر اتساعاً لتلك النظرة المستقبلية، لما يتيحانه من مساحة متسعة لرؤية المبدع، ولأن جسداهما فضفاضا، فإن فسحة التأمل للحاضر واستحضار الماضي تكونان بمنزلة الجسر الممتد الذي يقود إلى توقعات العمل الأدبي والفني، لما ستكون عليه البلاد في الغد الآتي، وما سيكون عليه الناس أيضاً، سواء على مستوى المعيشة، أو التصرفات، أو حتى الأفكار والرؤى.
عبرة التاريخ
وتنبع هذه النظرة المستقبلية في الرواية والمسرحية من تأمل عبرة التاريخ من ناحية، والغوص في تطورات الماضي القريب والبعيد من ناحية أخرى، ومن ناحية ثالثة التوغل في المستقبل، من خلال مساحة المتخيل، التي تعد قرون استشعار نحو المستقبل.
ومما لاشك فيه، أن المبدع في كل صنوف الإبداع والفنون يمتلك حاسة تنبؤية للآتي، ولديه فراسة تنبع من شفافية تسكن روحه وحساسية تلهمه رؤية ثاقبة تنفذ في الزمان والمكان، بل وتتعدى ذلك إلى قراءة واعية في فعال البشر، وتصرفاتهم وردود أفعالهم إزاء المواقف والمستجدات والأحداث، ويعد الانغلاق والتعصب الديني ورفض الآخر والفكر الظلامي المتخلف عن العصر من أبرز القواسم المشتركة في الانهيار وهدم المجتمع.
ولم تكن رواية «فئران أمي حصة» لسعود السنعوسي هي الوحيدة التي تنبأت بما ستكون عليه أوضاع الكويت في المستقبل، لكن رغم وجود العديد من الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة وحتى الأشعار التي تنبأت بالزمن الآتي، وما يحمله من مستجدات وأحداث، إلا أن رواية السنعوسي تعد الأكثر اتكاء على التنبؤ، حيث بنيت على الانطلاق من الحاضر إلى المستقبل، كما تنبأت بشكل مباشر بزوال الثبات الحادث حالياً، لتعيش الكويت في أتون نيران فتنة طائفية تأكل الأخضر واليابس، من ثم ينقسم المجتمع الصغير إلى طوائف وفئات يتمركز كل منها في منطقة مدججاً بسلاحه، من ثم تقتتل هذه الشراذم، ليستخدم كل فريق كل ما بيده من مقدرات وأدوات وآليات ضد الطرف الآخر المختلف معه، من أجل الانتصار للفئة أو القبيلة أو الطائفة.
وبسردية شفيفة ولغة مكثفة وبسيطة في آن، أبدع السنعوسي في «فئران أمي حصة» في تجسيد تفاصيل المستقبل المتخيل للكويت، وهو مع الأسف مستقبل مظلم سنة 2020، حيث تتفاقم تداعيات الفتنة الطائفية لتهدم كيان المجتمع كله وتهوي باستقراره، وتصبح الحرب الأهلية الطائفية هي العنوان الأبرز لكل مجريات الحياة.
أحداث مأساوية
كما يرسم السنعوسي مجريات مأساوية تنطلق من استشرافه للمستقبل وتحذيره من الخطر القادم، حيث تتداعى الأحداث، فتعم الفوضى، بسبب تصاعد الطائفية، ومع عدم التحرك الكافي لوأد الفتنة يحدث الاقتتال، وما يصاحبه من أحداث تراكمية وتفاصيل فجائية فتعم الفوضى من جراء الاحتراب الأهلي، من ثم ينهار الاقتصاد وتتلاشى القيمة الشرائية للدينار الكويتي، إضافة إلى تطورات تراجيدية تنتهي معها حالة الترف التي عاشها الكويتيون منذ اكتشاف النفط، ويختفي عمال النظافة من الشوارع ويعود الوافدون إلى بلدانهم، من ثم تتراكم القمامة في الشوارع، وتزكم الأنوف رائحة قميئة تعم المناطق السكنية، لكن أبرز ما ترصده رواية «فئران أمي حصة» انقسام المجتمع الكويتي إلى سُنة وشيعة وملاحدة، وهؤلاء الأخيرون يصبحون فئة لا يستهان بها، حيث يقودون شريحة من الناس في وجه المتدينيين

التقليديين من الفئتين الأخريين.
وانتقالاً من رواية السنعوسي إلى روائيين آخرين استشرفوا المستقبل وتغلّفت بعض أعمالهم برؤية تنبؤية لما ستكون عليه الكويت والمجتمعات الخليجية الأخرى في قادم السنوات، نذكر طالب الرفاعي وإسماعيل فهد إسماعيل وليلى العثمان وفوزية الشويش، وغيرهم.
ففي روايته «ظل الشمس» يوغل الأديب طالب الرفاعي في التعامل الواضح مع الأحداث المستقبلية، ويلاحظ هنا أن النظرة مغلّفة بالتشاؤم، حيث يتكئ في سردية الأحداث على ثيمة تتكرر في كثير من الأحداث التي تدور في الزمن الحاضر، لكنها توغل في التنبؤ بما هو قادم عبر تهشيم الزمن، هذه الثيمة الصادمة «لن تجني

شيئاً من الكويت» تقود إلى نظرة الكاتب إزاء المتوقع والمتخيل والآتي، مستخدماً الكثير من الحيل الفنية الأشبه بالومضات المبحرة في الزمن القادم.
زمن العزلة
أما إسماعيل فهد إسماعيل، فقد جاءت سباعيته الروائية (إحداثيات زمن العزلة)، لتسرد مجريات أوضاع الكويت إبان الاحتلال، ومن عنوان هذا العمل الفريد، فإن الإحداثيات تشير إلى توجيه البوصلة لإرشاد السفن أو رواد البحر نحو خطوط الطول والعرض لتحديد الوجهة التي ينبغي أن يكون عليها المبحرون تفادياً لأي مخاطر، لكن الروائي هنا، وإن كان يسرد الحاضر، فإنه أيضاً يتنبأ بما تحمله الأزمنة الآتية من تقلبات وتغيرات على مستوى الأشخاص والأمكنة ومجريات الواقع، وإن كانت النبوءة بالمستقبل تبدو متوارية في أحداث ماثلة، إلا أن العين الفاحصة لا تنكر تلك النظرة المستقبلية.
رتابة الواقع
أما الأديبة فوزية شويش السالم، فإن أعمالها الأدبية تجسد التمرد على رتابة الواقع وتهشيم المألوف، ومن هنا لا تكاد تخلو كتاباتها من تنبؤ للمستقبل، ويكفي للتدليل على ذلك التعريج على روايتها «النوخذة»، التي تستشرف فيها على لسان بنت النوخذة المعتلة عقلياً الطاعون القادم، ولعلها هنا ترمز بهذا الداء إلى كل
أدواء المجتمع وعلل الواقع كله، فالطرح، وإن بدا فردياً، إلا أنه ينطبق على هنات السياق الجمعي، كما أنها ترتد من الحاضر إلى الماضي، وسرعان ما تقفز إلى المستقبل القريب والبعيد.
وفي دائرة التنبؤ بالمستقبل، اعتمد بعض الروائيين على تكنيك حديث – قديم يسمى «سردية إيقاف الزمن»، حيث تتوقف الانتقالات الزمنية في الأحداث والمواقف، وتتوارى فترات زمنية بعينها، لينتقل الكاتب إلى الواقع بذاته، منفصلاً عن الزمن، وكأن هذا الأخير لا يعني المؤلف، بل يركز فقط على النتيجة النهائية للفعل الإنساني والتغيرات الطارئة على المكان.
إلغاء الزمن
وتعد ليلى العثمان من أكثر الأدباء الكويتيين الذين اعتمدوا هذا التكنيك، الذي يلغي الزمن في بعض المواضع السردية، ويتجلى ذلك في قصتها الطويلة «المرأة والقطة»، حيث تعتمد التحليل النفسي لأبطالها، ثم تصبح السردية كأنها نزف جراح تتطلع إلى المستقبل، رغم أنها تتمحور حول الواقع المأساوي المعاش.
المسرحيات
ومن المسرحيات التي تنبأت بمستقبل الكويت خلال الأعوام المقبلة مسرحية «2021»، التي كتب نصها كما قام بدور البطولة فيها الفنان عبدالعزيز المسلم، وهي تدور في قالب كوميدي مرعب، حيث تسلط الضوء على الأفكار والتصرفات الدخليلة على المجتمع ومخاطر الطائفية والنظرة الأحادية في التعامل مع الأحداث والقضايا السياسية والاجتماعية وغيرها.