
محمد الغربللي:
كان نتنياهو يرتعد خوفاً ورعباً من هذا المؤتمر الذي عُقد أخيراً في العاصمة الإندونيسية (جاكرتا)، حيث عقدت منظمة التعاون الإسلامي الأسبوع الماضي مؤتمرها هناك، لبحث تطورات القضية الفلسطينية، وإسرائيل واقفة على أطراف أصابعها تصيخ السمع عما سيخرج به هذا المؤتمر، الذي أُعد له إعدادا جيدا.. هي تعلم أن حاله كحال المؤتمرات السابقة والمكررة التي تصرف مبالغ طائلة من الأموال لانعقادها، سواء من الوفود أو الدول المضيفة.
المؤتمر أنهى أعماله يوم الاثنين من الأسبوع الماضي، وكانت المفاجأة، أنه خرج ببيان ختامي تطالب فيه الدول المشاركة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وإقامة دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين، كما حث المؤتمر دول العالم والمجتمع الدولي على حظر استيراد المنتجات الإسرائيلية ذات المنشأ من الأراضي المحتلة، كما أيَّد المؤتمرون الاقتراح الفرنسي بعقد مؤتمر سلام دولي لاستئناف مفاوضات إنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
المشهد على الأرض
كم هو مضحك هذا البيان!
ولنأخذ الأمور خطوة خطوة، الاستيطان الإسرائيلي يتمدد في الضفة الغربية أينما كان وفي كل الأوقات، بما في ذلك منطقة الأغوار، التي تم إنشاء جدار عازل بينها وبين الأردن، وهي أرض محتلة.
التوحش الإسرائيلي متزايد ومستمر، والقتل بالشوارع من قِبل الجنود الصهاينة أو المستوطنين في الأراضي المحتلة مستمر بشكل يومي، لا توفر أمام طلقات رصاصها فتى أو فتاة، فالجميع مستهدف.. المنازل يتم هدمها، وهذا دأب الكيان الصهيوني منذ الأيام الأولى للاحتلال عام 1967، وهناك مقولة لوزير دفاعه موشى ديان عندما احتلت القوات الإسرائيلية الضفة الغربية، تقول «إن لدى العرب شتيمة على شكل دعوة «الله يخرب بيتك»، ونحن سنخرب بيوت مَن يقوم بأعمال إرهابية»، فبدأوا بالتدمير، ولايزالون مستمرين وبشكل متزايد، وقد يُضاف إلى عمليات الهدم، إبعاد العوائل التي يرتكب أبناؤها أي عملية طعن، إبعادهم إلى السجن الكبير المتمثل في قطاع غزة.
بكل طيبة وتأدب، طالب المجتمعون بحل على أساس الدولتين.. وهناك دولة إسرائيلية تتمدد في الجغرافيا المحلية، أو عبر الحدود بأعمالها الإرهابية، لتصل إلى سفارة فلسطين في بلغاريا، وتقوم باغتيال عمر النايف، من دون مساءلة أو استهجان من أي نظام عربي أو إسلامي، والاغتيالات ممارسة أتقنتها، وخصصت لها إدارة خاصة عسكرية إرهابية في الموساد الإسرائيلي.
دعوات فارغة
أما دعوة المجتمع الدولي لمقاطعة منتجات الأراضي المحتلة، فالأسواق العربية والعديد من الدول الاسلامية تحفل بجميع المنتجات الإسرائيلية من الأراضي كافة.. عدد من الدول الغربية غير المسلمة اتخذت هذه الخطوة.. وأخيراً أصدرت بريطانيا، صديقة العديد من الدول الإسلامية المجتمعة، قراراً بحظر منتجات المستوطنات والمصانع الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، على خلاف الدول الأوروبية الأخرى.. ونتنياهو بعظمة لسانه وصورته على شاشة التلفزة يتباهى بتطور العلاقات مع العديد من الدول العربية، حتى تلك التي لا ترتبط باتفاقيات مع بلاده.
أما التأييد للمبادرة الفرنسية، التي أعلنها وزير الخارجية الفرنسي السابق فابيوس، فهذه ليست المرة الأولى التي تتولى فيها فرنسا طرح مثل هذه الدعوات السرابية، وهي عادة ما تأتي في فترة التحضيرات للرئاسة الأميركية، كنوع من «التدليك السياسي»، والقيام بدور ما لا يؤدي إلى أي نتيجة.
العمل الأجدى
هكذا إذن كان بيان المؤتمر الاسلامي المخصص للقضية الفلسطينية، دم شهيد أو شهيدة في الأراضي المحتلة أو في غزة تساوي ألف بيان لهذا المؤتمر، ويا ليت لو كان المؤتمرون وفروا مصاريف السفر إلى العاصمة الإندونيسية، وبالمثل وفر المنظمون مصاريف استضافة المؤتمر، مجرد توفير أموال لا أكثر، وبعثوا بها إلى الضفة والقطاع لأهالي الشهداء والأسرى في السجون الإسرائيلية، لكان ذلك أجدى وأنفع ألف مرة من بيانهم الذي كابدوا مشقة السفر للتجمع والخروج به، فمثل تلك البيانات أو المؤتمرات التي على هذه الشاكلة لن تحرر ذرة تراب من فلسطين.