
كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
ما زالت التأكيدات تتوالى من قيادات مسؤولة في القطاع النفطي، بضرورة خصخصة قطاعات نفطية، والتأكيد هذه المرة جاء من وزير المالية وزير النفط بالوكالة أنس الصالح، والرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية نزار العدساني.
وللمرة الثانية، أشار الوزير الصالح إلى التوجه خلال المرحلة المقبلة إلى الخصخصة، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، عقب اجتماع اللجنة المالية البرلمانية الأسبوع الماضي، الذي عرض خلاله الوزير وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي الحكومي خلال اجتماع اللجنة.
أما التأكيد الثاني، فجاء على لسان الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية نزار العدساني، الذي أكد خلال لقاءات الإدارة التنفيذية للمؤسسة مع الشركات النفطية لتعريف العاملين بمبادرات خفض وترشيد الإنفاق والمصروفات، «أن الإصلاح المالي للمؤسسة يهدف إلى إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص وللمواطنين في الاكتتاب والتمليك في الأنشطة الخدماتية النفطية»، مشيراً إلى أن «المؤسسة تعد حالياً جدولاً زمنياً لانطلاق شركات، وبدء خصخصة 42 محطة وقود ضمن المشاريع الصغيرة والمتوسطة».
واللافت في كلام الصالح والعدساني، هو التركيز على إعادة إحياء برامج الخصخصة وتسريعها في القطاع النفطي، وهو توجه غريب، في ظل التخبط وضبابية الوضع الاقتصادي الذي تعيشه الكويت حالياً، وكذلك الأوضاع الاقتصادية العالمية المتردية، وتراجع الأسواق العالمية، وهذا الأمر يطرح سؤالا مهما وهو: هل من الحصافة الاقتصادية أن يتم عرض برامج تخصيص وبيع أصول ملك الدولة في مثل هذه الظروف وهذا التوقيت؟!
تجربة فاشلة
ومع الأخذ بعين الاعتبار عامل التوقيت السيئ الذي تطرح فيه الحكومة برامج لخصخصة أجزاء من القطاع النفطي، الذي يعد أهم قطاع في الدولة، فإن التصميم على خصخصة 42 محطة وقود، بعد تأكيد هذا الأمر أكثر من مرة، يثير الكثير من العلامات، خصوصاً أن التجربة السابقة للكويت في خصخصة محطات الوقود لم تكن مشجعة على الإطلاق، سواء في جانب تحسين الخدمات وتقليل كلفتها، أو في توظيف العمالة الوطنية، وأثبتت هذه التجربة، وفق أكثر من تأكيد، فشلها الواضح، فماذا تغيَّر في محطات الوقود سوى شبه احتكار للخدمة، وتغيير أرضيات وألوان المحطات، وفي المقابل، حدث اختفاء للعمالة الكويتية فيها لمصلحة الآلاف من العمالة الآسيوية، لتقليل الكلفة على المستثمر، وتحقيق أرباح أكثر وأكثر، وهذا أبلغ رد على من يرددون أن الخصخصة سوف تخفف عبء عملية التوظيف عن الحكومة التي قامت بها طوال السنوات الماضية.
ففي مقابل أن تتخلص الحكومة من رواتب بضع مئات من العمالة الوطنية في محطات الوقود، باعت منافذ حيوية تدر الأموال على خزينة الدولة، وحوَّلت هذه الأموال إلى خزائن الشركات، التي استولت على محطات الوقود، والمؤكد أن الدولة خسرت من عملية التخصيص غير مدروسة تلك، والذي ربح هو المستثمر الذي يجني أموالاً طائلة من هذه المرافق الحيوية.
زيادة البطالة
والأمر المؤكد الذي يعرفه الجميع، أن تجربة تخصيص محطات الوقود لم تضف أي جديد (باستثناء بعض المحطات التي تمت إضافة خدمة الغسيل الآلي بها)، فقد مضى ما يزيد على 10 أعوام على تجربة تخصيص محطات الوقود، وهذه الفترة كانت كافية لتغيير وجه محطات الوقود التقليدية في الكويت، وتطويرها بالشكل الذي ينسجم مع أهداف هذا التحول، مثلما يحدث في كل بلدان العالم، حينما تنتقل بعض الأصول إلى القطاع الخاص،، لكن عملية الخصخصة التي تمَّت في الكويت لم يحصد منها المواطنون والمستهلكون سوى خيبة الأمل، فالخدمة كما هي، بل ربما تراجعت جودتها، والاختلاف الوحيد في الأمر، هو أن شركات القطاع الخاص أصبحت تربح من بيع الوقود، وتجني أموالاً طائلة بدلاً من الحكومة.
إن ما حدث في تجربة خصخصة محطات الوقود الأولى التي تمَّت في السابق، يجعل الجميع يطالب الحكومة بالعدول عن التفكير في خصخصة المزيد من هذه المحطات، لكن التصميم الحكومي على خصخصة 42 محطة وقود أخرى، يؤكد أن مَن قام بدراسة هذا الأمر يعيش بعيدا عن واقع ما نعيشه في الكويت، ولا يعرف بما يجري أو جرى بهذه المحطات من سوء خدمة.
وبالإضافة إلى أن المجتمع الكويتي كله يعرف عدم نجاح تجربة خصخصة محطات الوقود، فإن التأكيد على هذا الأمر جاء من أحد قياديي مؤسسة البترول نفسها، حيث قال هذا القيادي «إن المواطن للأسف لم يرَ أي تطوير في محطات الوقود منذ تخصيصها عام 2005، بل شاهد الشركتين قامتا بجلب العمالة الرخيصة، ما ينعكس على جودة الخدمات، وخصوصاً جوانب الأمن والسلامة المفقودة، وهو أمر خطير، وخصوصاً في مثل هذه الأماكن الحيوية».
مكافأة جديدة
ورغم كل هذا، ورغم الأداء السيئ للقطاع الخاص، تصر الحكومة على تخصيص 42 محطة وقود أخرى، وكأنها تكافئ القطاع الخاص على فشل التجربة الأولى بمشاريع جديدة. والمؤكد أن المحطات المُراد تخصيصها ستؤول ملكيتها إلى الشركات التي تملك المحطات الحالية، فشركات القطاع الخاص التي يمكن أن تنافس على هذه المحطات محدودة وقليلة، بالإضافة إلى دخول عوامل أخرى في ترسية العقود.
لهذا لا جدوى من تخصيص محطات جديدة، فالغاية من التخصيص تكمن في تحريك الاقتصاد، وتحقيق مدخول إضافي للمواطنين، وكسر الاحتكار والإكثار من المنافسة، لتحقيق الأداء الجيد، وتحقيق تنمية بشرية حقيقية في الإدارة والتكنولوجيا، وهذه كله لم يتحقق في الكويت، فما يحدث أن الاحتكار يزداد، والطبقة الرأسمالية تزاد أموالاً.