“الطليعة”.. البداية في السبعينات، والانطلاقة كانت من بناية العوضي في وسط البلد، قبل أن تمتلك أرضاً أو مطبعة. لم يكن هناك سوى مكاتب التحرير فقط، وكان مَن يتولى رئاسة التحرير الصديق نايف الازيمع.. أما الطباعة والإخراج، فكانا في إحدى المطابع الخاصة بمنطقة الشويخ.. كان الموعد محدداً لتسليم المواد، وكانت أيضاً المتابعة على أشدها لجلسات مجلس الأمة في ذلك العام، وما بين متابعة جلسة الثلاثاء والطباعة كان يسهر البعض في سبيل الإصدار، وفق الموعد المحدد، حتى لا تتأخر المجلة عن الصدور. لم تكن ممارسة وظيفية، بقدر ما كان عملاً وطنياً مفعماً بالبذل والعطاء وحس المسؤولية.
بعدها خصصت لـ”الطليعة” قطعة الأرض الحالية، الواقعة في منطقة الصحف، وكان للصديق أحمد النفيسي دور كبير في تخصيص هذه الأرض بنفس الموقع الحالي.
دور وجهود تعادل مئات الآلاف، إن لم أقل المليون وأكثر، ضمن إطار العطاء الوطني المتواصل في مجال الصحافة، ممثلاً بـ”الطليعة”، أو المجالات الأخرى، كمجلس الأمة أو نادي الاستقلال وغيره.
ساعد مكتب المهندس الكويتي في عمل تصاميم المبنى الجديد، بمتابعة حثيثة من الأخ نايف الازيمع، الذي توجَّه لاحقاً إلى بيروت، وباتفاق مع وكيل المطابع الألمانية أنطوان فرا، تم استيراد المطابع من ألمانيا، لإصدار “الطليعة”، وأيضاً لطباعة المطبوعات التجارية الأخرى، التي كانت إيراداتها تشكل رافداً مالياً لها، وقد تولى الصديق عبدالله البعيجاني إدارة المطبعة التجارية والإشرف عليها في ما بعد، وكانت مساهمة الجميع تطوعية بشكل بحت، كل في مجاله، سواء بالإشراف على المطابع، أو بتحرير مجلة “الطليعة”.
لم نشعر أو نتلمس يوماً أن شركة “الطليعة” ملك لفلان أو لمجموعة من الأشخاص، هي ملكية عامة للتيار الوطني، بل إن البعض وضع فيها أموالاً على شكل تبرعات من حسابه الخاص وقت الأزمات المالية الطارئة. المواءمة القانونية وحدها فرضت أن يكون هناك خمسة شركاء من الناحية الرسمية، كتسجيل لدى وزارة التجارة والصناعة عام 1977، إجراء قانوني إداري لا غير، كونهم ليسوا من موظفي الدولة في القطاع الحكومي، حيث يمنع الموظف في هذا القطاع من ممارسة التجارة، حتى وإن كانت تطوعية من دون أجر. الآخرون جميعهم كانوا في وظائف حكومية، ما يحول دون تسجيلهم ضمن الشركاء.
نقول إننا لم نشعر قط منذ انطلاقة “الطليعة” بأي تصرف أو ممارسة، بأن هذه المؤسسة تخص فلاناً من المؤسسين الرسميين، كما لم يتصرف أي منهم على أنه صاحب ملكية مادية فيها.. هو صاحب عطاء نعم، أما الملكية، فهي ذات غرض وحيد يتمثل بتسجيلها كشركة ضمن الشركات الأخرى.. كما لم تكن العلاقات بين الشركاء الرسميين أو المنتجين لـ”الطليعة” مبنية على علاقات وظيفية منبعها الملكية الشخصية، بل مبنية على وشائج الأخوة والوطنية والانتماء لهذا الوطن ضمن أهداف رفعة شأنه والدفاع عن القضايا الشعبية.
هي في الحقيقة، وبتصرفات الجميع وسلوكهم، ملك للتيار الوطني، بغض النظر عن المجهودات التي بُذلت من الجميع، كل في مجاله، والتي لو كانت لأغراض تجارية أو مادية، لنال أصحابها ممن أعطوا وبذلوا هذا الجهد طوال سنوات المال الكثير.
هكذا كانت “الطليعة” طوال عهدها منذ التأسيس، وخلال ما عايشته منذ بداية السبعينات، حتى استجدت ظروف بوفاة المرحوم أبوأحمد (سامي المنيس)، وانتهت إلى ما انتهت إليه اليوم نحو الاختفاء كمجلة، وتصفية الشركة التي كانت تصدرها طوال أكثر من نصف قرن، بالعطاء المتواصل من أسماء متعددة ممن ينتمون للتيار الوطني.. أسماء لاتزال بيننا، وآخرون توفاهم الله، تاركين سمعتهم العطرة بين أصحابهم ومجتمعهم، وهذا ما يبقى في الحياة كإرث إنساني لا يزول.