
لايزال المشهد السياسي بمملكة البحرين الشقيقة لا يدعو للتفاؤل أو الاطمئنان، فقد عاشت البحرين أحداثا مؤسفة منذ احتجاجات 14 فبراير 2011 بين الحكومة والشعب، على إثر مطالبات الأخير بالمزيد من الإصلاحات الديمقراطية وتحسين فرص العيش للمواطنين، ووقف التجنيس السياسي والقضاء على البطالة.. إلخ، وقد اندلعت تلك الاحتجاجات، بالتزامن مع ما يُعرف بـ«الربيع العربي»، وحصدت تلك الأحداث خسائر بشرية ومادية وحتى ديمقراطية.. وقد تشكلت لجنة تقصي حقائق بأمر من ملك البحرين، ورصدت لها الحكومة البحرينية ميزانية خاصة، وعيّن المستشار محمود شريف بسيوني رئيسا لها، مع عضوية أربعة آخرين، وورد بالأمر الملكي القاضي بتأسيس اللجنة في مادته الأولى أن اللجنة الملكية تعنى بالتحقيق في مجريات الأحداث التي وقعت في مملكة البحرين خلال شهري فبراير ومارس، وما نتج عنها من تداعيات لاحقة، وتقديم تقرير حولها، متضمنا ما تراه مناسبا من توصيات في هذا الشأن.
وبالفعل، قامت اللجنة بجمع 8110 شكاوى وإفادات تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان ذات الصلة بنطاق عملها، وأجرى محققو اللجنة مقابلات فردية مع 5188 فرداً، كان الهدف منها جمع إفادات الشهود والشاكين بالقضايا المتعلقة بادعاءات ارتكاب انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولم تتوقف المقابلات والتحقيقات على المواطنين، بل شملت أيضا أعضاء بالحكومة ورجال أعمال بالقطاع الخاص ورؤساء الجمعيات السياسية، وكان الهدف من ذلك هو الوقوف على الممارسات السياسية للسلطة وفق ما جاء بالتقرير، كما حققت اللجنة بأحداث مجمع السلمانية الطبي والفصل التعسفي بحق الطلبة والعمال وقمع المسيرات السلمية، وسأذكر بعض أهم ما جاء من فظائع سجلها تقرير بسيوني:
فقد سجل التقرير أكثر من 40 حالة بين قتل متعمَّد وتعذيب أفضى إلى الموت بحق المعارضين، كما حققت بحالات قتل الشرطة وحالات اختناق أدَّت إلى الموت، بسبب الاستخدام المفرط للغاز من قِبل قوات الأمن، واستخدام سلاح الشوزن، وخصوصا في يوم إخلاء دوار اللؤلؤة، والذي قتل فيه أربعة من المواطنين، بالإضافة لمئات الجرحى، كما سجل حالات إتلاف ممتلكات خاصة من قِبل قوات الأمن البحريني أثناء اقتحام البيوت أو بعض المناطق، وخصوصا السيارات التي تقف أمام المنازل، وشمل التقرير عدد العمال الذين فصلوا من شركة ألمونيوم البحرين (البا)، وعددهم 399، أعيد منهم فقط 50 للعمل مرة أخرى، كما حدث ذلك بشركة بتلكو، كما سجل التقرير أن مسؤولين حكوميين كانوا وراء تشجيع مديري الشركات على الانتقام من العمال، بسبب مواقفهم السياسية وانتماءاتهم المذهبية، وتضمَّن التقرير كذلك توصيات بإعادة قيد الطلاب المفصولين، وإعادة الموظفين المفصولين إلى وظائفهم وفتح تحقيق ببعض حالات الوفاة المتهم بها رجال شرطة، مشيرا صراحة إلى أنه لم يصل إلى ما يثبت تورط إيران بالأحداث المؤسفة التي تمَّت، كما أوصى التقرير بإجراء إصلاحات تشريعية تبدأ بالحوار الوطني، تضمن فيه الحكومة مشاركة الجميع بصياغة تعديلات تشريعية، بغرض توسيع المشاركة الشعبية، وتأسيس صندوق وطني لتعويض المتضررين، وإعادة بناء دور عبادة التي تم هدمها.
التقرير كان بمنزلة القشة التي تنجي صاحبها من الغرق، فقد جاء مرضيا للجميع، وبوابة لتمهيد طريق بناء الثقة بين الأطراف المختلفة، بانتظار تطبيق ما جاء فيه من وصايا، لكن تعثر الحوار الوطني، رغم مرور سنتين على صدور التقرير، وتعليق المشاكل من دون طرح حلول، لا يخدم أبداً استقرار البلد، وتعليقا على مرور عامين على صدور التقرير، قال عضو اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق (لجنة بسيوني) البروفيسور نايجل رودلي لصحيفة الوسط البحرينية: «إذا نظرنا إلى الوراء بعد سنتين من تقديم لجنة تقصي الحقائق تقريرها إلى جلالة الملك، فإني لا أخفي خيبة أملي بالوضع الحالي» .
وحول رأيه في تسهيل عملية المصالحة، شدد رودلي على تمسكه برأيه حول تحسين حالة حقوق الإنسان، وذلك عن طريق تنفيذ توصيات التقرير، وهو ما يؤدي إلى شعور بالعدالة.
وأضاف رودلي أيضا لـ«الوسط البحرينية»، مستغربا أنه «في الوقت التي تفرض فيه العقوبات القصوى بخمسة عشر عاما على المحتجين المتهمين بالتحريض على القتل، فإن مرتكبي جرائم التعذيب حتى الموت حوكموا وأدينوا بسبع سنوات فقط! كما أن الاعتقال الاستفزازي لزعماء المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان جنبا إلى جنب مع الانتهاكات التي ذكرتها، فإن كل ذلك ننظر إليه وكأنه رفض شامل لتوصيات لجنة تقصي الحقائق».. وهنا إشارة إلى سجن الحقوقيين عبدالهادي الخواجة ونبيل رجب، وكذلك بعض السياسيين، مثل الأمين العام لجمعية وعد السيد إبراهيم شريف، وهنا لا تفوتنا الإشارة إلى الخبر المنشور بجريدة الوسط البحرينية حول تنفيذ وصايا اللجنة، حيث تشير «الوسط» إلى أن من بين 20 حالة وفاة وثقها تقرير تقصي الحقائق، تمَّت تبرئة رجال أمن من قتل 4 مواطنين وحفظ أحكام 4 من الحالات ولم يتم النظر بـ 6 آخرين.
إن جميع ما سبق يجعل الحكومة البحرينية محل انتقاد، وخصوصا أنها بصدد استضافة محكمة حقوق الإنسان العربية على أرضها!
إن تنفيذ ما جاء بتقرير السيد بسيوني، هو اختبار لمدى التزام الحكومة بمحاربة كافة أشكال انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة مرتكبيها، وبالتالي السير إلى المصالحة الوطنية المنشودة والمأمولة.